"في عالم الأدب، حيث تتلاقى الكلمات مع الأحاسيس وتنسج القصص عالمًا من الخيال والواقع، نجد أن بعض الكتاب لا يكتفون بمجرد كتابة الحروف، بل يبثون في أعمالهم نبضًا من الإبداع الذي يتسلل إلى قلوب قرائهم. اليوم، نحن على موعد مع أحد هؤلاء الكتاب الذين أثبتوا جدارتهم في صنع القصص التي تُحاكي الواقع وتُلهب الخيال. في هذا الحوار الخاص، نسلط الضوء على رحلة الكاتب المبدع [أحمد محمود الشرقاوي]، الذي قدم لنا العديد من الأعمال الأدبية التي شكلت نقطة فارقة في عالم الأدب. نلتقي به اليوم للحديث عن مشواره، مصدر إلهامه، والتحديات التي واجهها في طريقه نحو الإبداع."
لنبدأ بالتعرف علي بداياتك، هل يمكنك أن تخبرنا قليلاً عن نفسك؟
أحمد محمود شرقاوي
كاتب روائي ومحرر صحفي ومقدم برامج
صدرت له عشرة أعمال ورقية
ومن مواليد محافظة الجيزة 1996م وخريج كلية التجارة وإدارة أعمال، شعبة اقتصاديات التجارة الخارجية.
كنت شغوفًا بالكلمات والتعبير عن الأفكار، ومع مرور الوقت، وجدت أن الكتابة هي الوسيلة الأمثل لإطلاق العنان لما يدور في ذهني، بدأت بكتابة الخواطر والقصص، والتي حظيت بتقدير من القراء، وكان ذلك دافعًا لي للاستمرار والتطور، وبفضل الله، تهيأت لي الفرص للدخول إلى هذا المجال والانطلاق فيه بكل شغف.
ما الذي دفعك إلى عالم الكتابة؟ وهل كانت الكتابة جزءًا من حياتك منذ الصغر أم أن الأمر تطور مع مرور الوقت؟
شعرت بأن الكتابة جزء لا يتجزأ مني، لكنها لم تكن مجرد خيار، بل كانت طريقًا رسمه الله لي، إيماني العميق بأن الله يُيسر للإنسان ما خُلق له كان دافعي الأكبر للاستمرار، كما استوقفتني كثيرًا عبارة [كلٌ مُيسر لما خُلق له] إلى جانب قول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) هذه الكلمات منحتني الثقة بأنني قادر على النجاح في هذا المجال، وأن كل تحدٍّ هو خطوة نحو تحقيق هدفي، لذلك كان حافزي الأساسي هو اليقين بأنني ما دمت قد سلكت هذا الطريق، فأنا قادر بإذن الله على المُضي فيه بثباتٍ حتى أصل إلى ما أرجوه.
مَن الشخص الذي دعمك في مشوار الكتابة؟
بعد توفيق الله، يعود الفضل الأكبر في مسيرتي ككاتب إلى قرّائي الأفاضل، هم مصدر الإلهام والدافع الأكبر للاستمرار، فبدونهم لم تكن لكلماتي أي معنى، أقدّر دعمهم واهتمامهم، ولا أحد بعدهم يستحق الشكر.
هل كان لديك نماذج أو قدوة من الكتاب الذين ألهموك في بداية مشوارك؟ وكيف أثروا في أسلوبك الكتابي؟
نعم، تأثرت بعدد من الكُتّاب الذين كان لهم دور كبير في تشكيل وعيي الأدبي وصقل خيالي؛ في البداية تعلّقت كثيرًا بكتابات الدكتور نبيل فاروق، فهو أول كاتب جذبني إلى عالم القراءة، وألهمني بتنوع أفكاره وسعة خياله، مما ساعدني على تنمية مخيلتي وكتابة مئات القصص، وأيضًا أميل إلى الأقلام الهادفة ذات الرسالة العميقة، مثل قلم الدكتور مصطفى محمود، الذي أثّر في طريقة تفكيري ونظرتي للحياة، كما أنني أعشق أسلوب الكاتب تامر إبراهيم، لما يتميز به من تشويق وسرد محكم يجذب القارئ بعمق.
كيف تختار موضوعات أعمالك؟ وهل هناك موضوع معين تفضل الكتابة عنه بشكل مستمر؟
أحرص على اختيار موضوعاتي بعناية، حيث أميل إلى دمج الرعب بعناصر دينية ومجتمعية، مما يمنح القصة بعداً أعمق ورسالة تتجاوز مجرد الإثارة والتشويق، أستلهم أفكاري من الواقع ومن الحكايات الشعبية، ومن قضايا تثير التساؤلات حول المجهول، سواء في النفس البشرية أو في العالم من حولنا.
أحب أن أكتب عن الصراع بين الخير والشر وعن المخاوف التي تنبع من داخل الإنسان، وعن القضايا الأخلاقية والدينية التي تثير الجدل وتدعو للتفكير، كما أجد شغفًا في استكشاف العالم الآخر وما وراء الطبيعة، حيث تمتزج الفانتازيا بالواقع لتخلق عوالم غامضة تحفّز الخيال وتطرح تساؤلات عميقة عن الإيمان، العدالة، والخوف من المجهول. هذه التركيبة تمنح الكتابة روحًا مختلفة، حيث لا يقتصر الرعب على إثارة الخوف فقط، بل يصبح أداة لفتح أبواب التساؤل حول المجهول.
أذكر لنا إنجازاتك التي نشرتها سابقاً؟
رواية "إنيَّ رأيت".
قصة بعنوان "رفات مظلوم" في كتاب مجمع تحت عنوان "يحدث في الجحيم".
رواية "إن الله سيبطله".
سلسلة "مائدة الفزع" ثلاثة أجزاء (حتى زرتم المقابر، الميتة والدم، لعلهم يرجعون).
قصة بعنوان "غروب الشمس" في كتاب مُجمع بعنوان "نصفي الآخر".
رواية "هل من مزيد .. النار تتحدث".
كتاب "قصص الأنبياء" مقالات بالعامية المصرية.
رواية "إن الله سيبطله" الجزء الثاني.
كتاب " قصص الصحابة" مقالات بالعامية المصرية.
حدثنا عن عملك القادم؟
أُفكر في أن يكون عملي القادم جزءًا ثانيًا لرواية (هل من مزيد .. النار تتحدث)، في هذا الجزء سوف أناقش عنصر الماء كأحد نعم الجنة العظيمة، وأسلط الضوء على حوض السلسبيل الذي يعد من أروع ما يقدمه الله لعباده في الجنة، هذا العنصر الروحي سيلعب دورًا كبيرًا في الرواية لا يزال المشروع في مرحلة التخطيط.
هل تشعر بأنك تعبر عن نفسك فقط من خلال الكتابة، أم أن هناك أفكاراً أو رسائل تحاول إيصالها للعالم من خلال أعمالك الأدبية؟
الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد وسيلة للتعبير عن نفسي، بل هي أيضًا أداة لطرح أفكار ورسائل أؤمن بها وأرغب في مشاركتها مع الآخرين، من خلال أعمالي الأدبية، أحاول أن أثير تساؤلات حول قضايا إنسانية ودينية، وأتناول موضوعات قد تكون غامضة أو صعبة الفهم، بهدف تحفيز القارئ على التفكير العميق في القيم، والمفاهيم، والواقع الذي يعيش فيه.
كيف ترى علاقة الكاتب بالقراءة؟ هل تكتب بما يتوافق مع توقعات الجمهور، أم أن الكتابة هي انعكاس لروحك الداخلية فقط؟
العلاقة بين الكاتب والقراء هي علاقة متبادلة، فالكاتب يكتب لأجل القارئ ويشاركه ما تحمله كلماته من أفكار ومشاعر، والقارئ ليس مجرد متلقٍ، بل هو شريك في عملية الإبداع، إذ لولا القارئ لما كانت هناك حاجة للكتابة.
بالنسبة لي، الكتابة هي انعكاس لروحي الداخلية وتجربتي الشخصية، لكنني في نفس الوقت أضع في اعتباري أن الكتابة يجب أن تلامس قلوب القراء وتلبي حاجاتهم الفكرية والعاطفية.
هل يمكن للكتابة أن تكون علاجًا نفسيًا بالنسبة لك؟ كيف تساعدك الكتابة على مواجهة تحدياتك الشخصية أو العاطفية؟
بالطبع، الكتابة بالنسبة لي هي شكل من أشكال العلاج النفسي، فعندما أواجه تحديات شخصية أو عاطفية، أجد أن الكتابة تساعدني على ترتيب أفكاري والتعبير عن مشاعري بطريقة منطقية وهادئة، ومن خلال الكتابة أتمكن من مواجهة مشكلاتي الداخلية، سواء كانت خوفًا، أو قلقًا، أو حتى فرحًا شديدًا، وأحول هذه المشاعر إلى كلمات تحمل معنى وتخرجني من دائرة التوتر.
ما هي اللحظات أو المواقف التي تشعر فيها أن الإبداع يصل إلى ذروته لديك؟ هل لديك طرق معينة لتحفيز نفسك على الكتابة في الأوقات الصعبة؟
عندما أكون في حالة من الصفاء الذهني أو في لحظات تأمل عميق، سواء كنت في الطبيعة أو وسط صمت يتيح لي الاتصال الكامل بأفكاري. أحيانًا، تكون التحديات الشخصية هي التي تشعل شرارة الإبداع، حيث تتحول مشاعري إلى كلمات تعبر عما يختلج في داخلي.
أما بالنسبة لتحفيز نفسي في الأوقات الصعبة، فغالبًا ما أبحث عن مصدر إلهام خارج ذاتي، يمكن أن يكون هذا قراءة كتاب جيد أو سماع محاضرة أو خطبة أو الخروج للمشي في مكان هادئ، وأسمح للكلمات بأن تأخذني إلى أماكن غير متوقعة، مما يفتح أمامي آفاقًا جديدة.
كيف ترى التطور التكنولوجي في عالم الكتابة، مثل النشر الإلكتروني والذكاء الصناعي؟ هل تعتقد أنه يؤثر على الأدب التقليدي؟
يُعد نقلة نوعية في طريقة وصول الكتاب إلى جمهورهم، النشر الإلكتروني أتاح الفرصة للعديد من الكُتاب المُستقلين لعرض أعمالهم دون الحاجة للمرور عبر القنوات التقليدية، مما سهل الوصول إلى قراء جدد وأتاح الفرصة لمحتوى متنوع وأكثر شمولًا، أما الذكاء الصناعي، فقد بدأ يؤثر في طريقة الكتابة نفسها، سواء في توليد الأفكار أو مساعد الكُتاب في تنظيم النصوص، ولكنه لا يمكن أن يعوض الإبداع البشري في الكتابة الأدبية العميقة والمليئة بالمشاعر.
بالنسبة للأدب التقليدي، أعتقد أن التكنولوجيا قد تؤثر على بعض جوانبه، خاصة فيما يتعلق بتسويق الكتب وطرق القراءة، لكنها لن تحل محل القيمة العاطفية والفكرية التي يحملها الأدب التقليدي.
كيف تتعامل مع النقد؟ هل يعتبر مصدرًا للتحفيز والتطوير أم أنك تجد صعوبة في تقبل الآراء المختلفة حول أعماك؟
النقد البناء يساعدني على تحسين أسلوبي ويحفزني على البحث عن طرق جديدة للتعبير عن أفكاري، بينما أتعامل مع النقد السلبي أو غير الموضوعي بحذر وأحاول ألا يؤثر على ثقتي في نفسي. أعتقد أن القدرة على الاستفادة من النقد هي ما يجعل الكاتب ينمو ويتطور.
هل هناك أنواع معينة من الكتابة أو الأدب تتمنى أن تتناولها في المستقبل، لكن لم تتح لك الفرصة بعد؟
لم اترك شيئا تقريبا إلا وكتبت عنه فأنا لا أتقيد بنوع واحد من الأدب لأن كل أنواع الأدب هي مجرد وسيلة لتوصيل الأفكار.
لم أترك مجالًا أدبيًا تقريبًا إلا وكتبت عنه، فأنا لا أؤمن بالتقيد بنوع واحد من الأدب، في النهاية، جميع أنواع الأدب ليست سوى أدوات مختلفة لتوصيل الأفكار.
هل هناك مشروع أدبي على وجه التحديد كنت تعمل عليه لفترة طويلة وتعتبره أقرب أعمالك إلى قلبك؟ ولماذا؟
نعم، العمل الأقرب إلى قلبي هو ثنائية "إن الله سيبطله"، والذي يمثل أحد أهم محطاتي الأدبية، هذا العمل يسلط الضوء على شهوات الجسد والصراعات الداخلية التي يواجهها الإنسان بين رغباته الفطرية وقيمه الأخلاقية، بمزيج بين العمق الفلسفي والطرح الواقعي، نجحت هذه الثنائية في الوصول إلى شريحة واسعة من القراء وترك تأثيرًا قويًا في نفوسهم، لقد كانت معالجة جريئة لموضوعات حساسة تهم الجميع، وهو ما جعلها محط اهتمام وأثر قوي لدى الكثيرين.
لم يكن هذا المشروع سهلاً، وقد استغرق مني وقتًا طويلًا، لكنني أعتبره انعكاسًا لرحلتي الشخصية في فهم بعض الأسئلة الكبرى عن الحياة، وبذلك، فهو يمثل لي أكثر من مجرد عمل أدبي؛ إنه جزء من تفكيري العميق ومرآة لمشاعري الداخلية.
ما هي أهم التحديات التي تواجهها ككاتب في العصر الحالي؟ هل تعتبر أن وجود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي له تأثير على الكتابة بشكل عام؟
التوازن بين الحفاظ على أصالة الكتابة الأدبية ومتطلبات السوق والجمهور. مع تزايد وسائل التواصل الاجتماعي والنشر الإلكتروني، أصبح من السهل جدًا نشر المحتوى، لكن في نفس الوقت، قد يكون هذا مضرًا لأنه يزيد من الضغط على الكاتب ليواكب رغبات الجمهور وتوقعاتهم بسرعة.
وجود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي له تأثير مزدوج على الكتابة. من جهة، توفر هذه الوسائل منصة واسعة للوصول إلى القراء، وتتيح فرصًا للكتاب الجدد للتواصل مع جمهورهم بشكل مباشر، ومن جهة أخرى، قد تكون هذه الوسائل مصدرًا للتشتت، حيث أصبحت سرعة الاستهلاك والمعلومات القصيرة السطحية تسيطر على توجهات القراءة.
هل تعتقد أن الكتابة تحتاج إلى الكثير من المعاناة والصراع الداخلي لخلق شيء مميز، أم أن الإبداع يمكن أن يكون نتيجة لحظات عفوية؟
أعتقد أن الكتابة قد تحتاج إلى مزيج من الاثنين: المعاناة والصراع الداخلي، وكذلك اللحظات العفوية؛ الكتابة العميقة والمميزة قد تستلزم صراعًا داخليًا، حيث يمر الكاتب بتجارب شخصية وتحديات نفسية تُساعده على فهم ذاته والعالم من حوله، وهذه المعاناة تمنح الكتابة عمقًا وحقيقة، والصراع الداخلي يُعد بمثابة محفز لإنتاج أعمال تحمل بعدًا فلسفيًا أو عاطفيًا قويًا.
من جهة أخرى، هُناك أيضًا لحظات من الإبداع العفوي التي تنبع من تدفق الأفكار فجأة، أوقات لا يحتاج فيها الكاتب إلى معاناة ليبدع، بل تكون الكلمات تأتي بسهولة وكأنها جاءت من مصدر خارج عن وعيه، فالإبداع في الكتابة يكون مزيجًا بين الجهد المستمر لحمل الرسائل العميقة وبين تلك اللحظات العابرة التي تتيح للأفكار أن تنساب بحرية.
هل تعبر الكتابة وسيله للتعبير الشخصي أم أنك تري فيها وسيله للتأثير في المجتمع؟
بالنسبة لي، الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن نفسي، بل هي أداة فعّالة لطرح أفكار ورسائل أؤمن بها وأرغب في مشاركتها مع الآخرين. من خلال أعمالي الأدبية، أسعى لإثارة تساؤلات حول قضايا إنسانية ودينية، وأتناول موضوعات قد تبدو غامضة أو صعبة الفهم. الهدف هو تحفيز القارئ على التفكير العميق في القيم، والمفاهيم، والواقع الذي يعيش فيه، بما يعزز وعيه ويشجعه على النظر إلى الأمور من زوايا جديدة
ما هي الرسالة التي تأمل أن تتركها من خلال أعمالك الأدبية؟ وكيف تريد أن يتذكرك القراء بعد سنوات من الآن؟
أريد أن تترك أعمالي بصمة تتجاوز مجرد الترفيه، لتكون مرآة تعكس مخاوف الإنسان العميقة وأسئلته الوجودية.
أسعى إلى تقديم كتابات تجعل القارئ يعيد التفكير في المُسلّمات، ويدفعه للتأمل في الصراع بين الخير والشر، بين الإيمان والشك، وبين القوى الخفية التي تؤثر على حياتنا بطرق لا ندركها، أريد أن يشعر القارئ بأن الرعب ليس فقط في المخلوقات المرعبة أو الأحداث الخارقة، بل في النفس البشرية، في الأسرار المدفونة، وفي الحقائق التي نخشى مواجهتها.
بعد سنوات من الآن، آمل أن يتذكرني القراء ككاتب استطاع أن يدمج الرعب بالرمزية العميقة، وأن يجعلهم يعيشون كتابات لا تُنسى، وأن تترك أثرًا طويل الأمد في عقولهم وقلوبهم.
ما رأيك في المجلة؟
مجلة متميزة وواسعة الانتشار، وقد تابعت العديد من الحوارات الصحفية الشيقة التي نشرت فيها، تقدم المجلة محتوى راقي متقن، أرى أنها تسهم في إثراء الساحة الإعلامية بمواضيع متنوعة وجذابة.
ما رأيك في الحوار؟ هل أنال إعجابك؟
كان حوارًا ممتعًا للغاية، وأشكر فريق العمل على إعداده بهذه الاحترافية، وأخص بالشكر الصحفية المتميزة أسماء أشرف على إدارتها للحوار بأسلوب سلس وعميق.
شكراً لك على وقتك ومشاركة أفكارك معنا نتمني لك كل النجاح
الصحفية/ أسماء أشرف