نرحب اليوم بشخصية استثنائية لها بصمتها الخاصة وتجربة تستحق الاستكشاف
دعونا نتعرف معه على محطات مشواره وأفكاره الملهمة وفي هذا اللقاء نلتقي بي الشاعر عثمان هيشو
حدثني عن سيرتك الذاتية؟
عثمان هيشو
مواليد سنة ١٩٩٣ في قرية صغيرة من قرى مدينة طنجة المتاخمة للجنوب الإسباني أقصد ( قصر المجاز) حيث يوجد ميناء طنجة المتوسط، ترعرعت فيها تلقيت تعليمي الأول فيها ثم انتقلت إلى مدينة طنجة وتنقلت بين معاهدها العتيقة
وبعد حصولي على الباكالوريا هناك وجهت وجهي شطر كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة مارتيل وهناك حصلت إجازة الأدب العربي وبعدها دبلوم في تدريس اللغة العربية للمرحلة الثانوية من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين جهة طنجة الحسيمة.
كيف كانت بداياتك مع كتابة الشعر ؟
وما الذي دفعك لدخول هذا المجال ؟
يقال: إن الشاعر يولد شاعر وبالتالي فسؤال البدايات صعب التحديد إلا أن بوادره الأولى ظهرت في المرحلة الأولى من الطلب حيث كان الاحتكاك بكثير من النصوص الشعرية وحفظها في مرحلة مبكرة، فبعد حفظ القرآن في الكتاب كان لزاما علينا حفظ بعض المعلقات وكذلك بعض النصوص المدحية المشهورة كالبردة وغيرها، في هذا السياق كانت البدايات وكان الدافع الأكبر لكتابة الشعري هو إعجابي بهذه النصوص وبعظمة تراثنا العربي عموما مما أثار في نفسي فضولا كبيرا، وقدح في نفسي شرارة التجريب والمحاولة.
من كان الداعم الأول لك في مشوارك الشعري ؟
غالبا ما تكون أحلام الطفولة غريبة لكنها بعد ظهور الإرهاصات الأولى لها في الواقع تزداد الرغبة ويشتد الطموح، لكنها تظل دائما محتاجة لمن يدعمها ويسندها وأول سند هو الأسرة بما توفره لها من أسباب وظروف، كما كان لأساتذتي دور كبير في تغذية هذه البذرة الكامنة في نفسي وتنميتها وتوفير المناخ المناسب لها وأخص منهم أساتذة الأدب العربي والتعبير والإنشاء في المرحلة الإعدادية والثانوية، في هاتين المرحلتين ترتسم ملامح المستقبل وتبرز مخايل الذات المبدعة، ويكون دور الداعم أكبر ويبقى أثره ساريا ومؤثرًا،
هل هناك موقف أثر فيك ودفعك لكتابة قصيدة معينة ؟
تقريبا كل المذاهب النقدية تتفق على أن للنفس دور كبير في تفجير الطاقات التعبيرية وحفز المبدع على الإنتاج، وأنا خصوصا لا أكتب غالبا إلا بعد موقف ما أو شعور ما والمواقف كثيرة والقصائد التي كتبت استجابة لهذا الدافع كثيرة ولا يحضرني الآن موقف معين أو قصيدة معينة
متي أدركت أنك تمتلك موهبة الشعر ؟
هناك مؤثرات داخلية وخارجية هي التي تتحكم في هذه الموهبة فإما تطورها وتنميها وإما تقتلها وتلقيها في غيابه النسيان، وأنا لم أكتشف هذه الموهبة بنفسي كان أساتذتي وأصدقائي ينبهونني إلى هذا الأمر فكنت أرى الأمر ربما مجاملة وإطراء لكن قررت خوض هذا الغمار فأصبحت غارقة في فتنة الكتابة.
ومن يومها لم يمد أحد منهم يده إلي ليساعدني أو لينقذني من هذا اليم المتلاطم
كيف تؤثر البيئة المحيطة بك علي إبداعك ؟
يقال:" الشاعر ابن بيئته" وهذا الأمر يدركه النقاد جيدا لأنهم يجدون نفس الشاعر وبيئته في ثنايا شعره فالبيئة والمحيط يحضر في إبداع الشاعر بوعي منه أو دون وعي، فالإجابة عن هذا السؤال لا أستطيع تحديظها أنا وإنما المتلقي اليقظ هو الذي بإمكانه التقاط هذه الإشارات وتحديد هذه المعالم والعوالم التي تحيط بالشاعر، إلا أنه بحكم موقعنا الجغرافي والحيز الوجودي الذي نعيشه فيه يمكنني أن أقول: إنه منحني الكثير من الحنين لفردوسنا الضائع ( الأندلس) وأن البحر ربما أثر كثيرا فيّ ومنحني من طباعة الكثير
من أين تستمد إلهامك في كتابة القصائد ؟
هل هناك تجارب شخصية تؤثر على كتاباتك ؟
الكتابة عمومًا والشعر بالخصوص هو تجارب المبدع وعصارة فكره وانطباعاته التي أخذها من مختلِف مصادره المعرفية ومشاربه الإبداعية، فمن الصعب تحديد مرجعية محددة أو تجارب شخصية بعينها
هل تعتقد أن الشعر قادر على التعبير عن قضايا اجتماعية وسياسية ؟كيف تتناول تلك الموضوعات في أشعارك؟
أعتقد أن الشعر قادر على احتواء الإنسان بكل تعقيداته واهتماماته وعلاقاته الداخلية والخارجية، لذلك نجده حضر في الماضي وما زال يحضر في كل مجالات الحياة، فكل شاعر يحاول مقاربة هذه المواضيع من زاوية إبداعية معينة تعكس نظرته للحياة، وأنا دائما ما أحاول أن أعكس رؤيتي للحياة من خلال شعري، وأن أكون فاعلا بقدر ما في هذه الحياة ولو بشكل خافت إلا أنه يكفي أن تقول كلمتك وتمضي فربما ستجد آذنا صاغية وقلوبا واعية في يوم من الأيام.
ما الصعوبات التي واجهتها في مسيرتك كشاعر ؟
وكيف تعاملت معها ؟
أعتقد أنني لم أجد طريقا أصعب على سالكه من الشعر، فأول شيء يتحداك هو الشعر نفسه ثم تتحداك نفسك فإذا ما نجح المبدع في هذا التحدي فما بعده أهون منه، وأعتقد أنه مما يتفق معي فيه الكثير من الشعراء أن التحدي الأكبر اليوم هو الوصول إلى المتلقي وجذبه إلى هذه المنطقة المظلمة هذه المنطقة التي لم يسلط عليها الضوء بما يكفي لكي تظهر كما يليق بها، وهذا التحدي مرتبط بالقراءة بشكل عام ثم بعد ذلك بهذا المستوى المتقدم من مستويات القراءة، وهذا الأمر يحتاج من المبدع الجهد الأكبر والوُسْع المضاعَف.
ماهي رسالتك من خلال الشعر ؟وما الذي ترغب في إيصاله إلي القراء أو المستمعين ؟
كأنني بأبي العلاء المعري يغريني ويغويني بقوله: " أريد من زمني ذا أن يبلِّغَني ما ليْس يَبْلُغه في نفسه الزَّمَنُ.
فأنا كذلك أريد من شعري أن يقول ما لم أستطع قوله وأن يفعل مالم أستطع فعله أن يصل إلى أبعد نقطة في الروح الإنسانية فيخرجها إلى الوجود نقية خفيفة متوهجة تحمل معها عبقها السماوي وخصوصيتها المطلقة، الشعر وسيلتي لاستكناه عوالم لم تصلها أي وسيلة أخرى من وسائل النقل والتواصل، أن يكون مطيتي وبراقي في الوجود أسيح به في فضاءات الدهشة وكواكب الحيرة، أما القراء فحين يلمسون هذا الأمر سيعرفون بالضبط ما الذي أريده منهم أو ربما سأعرف أنا ما الذي يريدونه منهم.
هل هناك شعراء معاصرون تتابعهم أو تعتبرهم مصدر إلهام ؟
أنا أحب الشعر كثيرا، لذلك حيثما وجد الشعر فأنا حريص على متابعته والتعلم منه أتابع تقريبا كل الشعراء عبر كل العصور وبطبيعة الحال المعاصرين منهم، وكل ما أقرؤه سواء كان شعرا أو غير شعر فهو مصدر إلهام لي بل حتى كل ما أراه أو أسماعه فهو مصدر إلهام لي ينعكس على شعري ويحضر فيه بصور مختلفة ودرجات متفاوتة.
هل يمكنك أن تخبرنا عن قصيدة تفتخر بها ،ولماذا تعتبرها مميزة؟
أنا أعتقد أن الشاعر لن يرضى عن قصيدة ما حتى يموت لأنه كما يقال لا يعيش الشعر إلا بموت الشاعر، وأنا من أولئك الذين لا يرضون عن قصائدهم فكلما أتممت قصيدة إلا وبدأت في البحث عن قصيدة أخرى في محاولة للوصول إلى إرضاء هذا الشغف المجنون بالكمال الشعري وهوما لا يحصل في حياة الشاعر أبدا قد يرى المتلقي مثلا أن قصيدة ما أفضل ما كتبه شاعر ما لكنه أمر متعلق بالمتلقي وبما توحيه إليه القصيدة وبالتداعيات التي تجتلبها الذاكرة ويثيرها هذا الشعر.
كيف كان تأثير الشعر علي حياتك الشخصية والمهنية ؟
الشعر أثر فيّ بالدرجة الأولى تأثيرا نفسيا أكثر منه ماديا متمثلا في الحياة الشخصية والمهنية، فقد صرت أرى الحياة بعين مختلفة وأتعامل مع مواقفها معاملة مغايرة تماما، مع أن حياتي الشخصية والمهنية لم تتأثر تأثيرا كبيرا إلا أن بداخلي جبال وأمواج لا تهدأ إلا بالكتابة بل ربما تزيد اتقاد وتوهجا بها فأصبح غريب الأطوار حتى عن نفسي بَلْهَ عن الآخرين.
كيف تتفاعل مع ردود فعل القراء علي قصائدك ؟
هل تهتم بالنقد ؟
أعتقد أن النقد نوعان: نقد ساتر، ونقد فاضح، أما الأول فهو مثل أدوات التجميل والتطرية يخفي العيوب ويسترها بالثناء والمجاملة وهذا النقد دائما ما أحاول أن أتفاداه، أما الثاني فهو أشبه ما يكون بالماء يفضح النص أمام المتلقي ويغسل عنه ما ليس حقيقيا فتظهر صورته كما هي وتتضح فيه المحاسن والمساوئ وهذا هو النقد الذي يجب أن يكون حاضرا في كل النصوص ومصاحبا لكل عملية إبظاعية حتى لا نكذب على أنفسنا ونوهم الآخرين.
ما هي أهم إنجازاتك ؟
حصلت على جائزة الديوان الأول للشعراء الشباب التي كانت من تنظيم دار الشعر بتطوان برعاية حكومة الشارقة، وحصلت على جائزة طنجة الكبرى للشعراء الشباب، وشاركت في فعاليات ومهرجانات كثيرة، منها مهرجان شاعر شباب العرب في بغداد، ولي مجموعة شعرية قيد الطبع إن شاء الله
ولكن لا أعتقد أن إنجاز الشاعر يمكن تحديده من طرفه هو، فهذا سيكون فيه شطط في الحكم إلا أن الأولى أن يكون المتلقي هو الحكم العدل في هذا الأمر وأن يكون الشاعر المتهم الأول، وكما قلت أهم إنجاز يحققه الشاعر هو أن يكون شاعرا حقا، وأن يحيى قصيدته قبل أن يكتبها، وأن أكبر طموحات الشاعر أن يصل إلى ذلك الكمال الشعري وتلك القصيدة الخالدة التي تخلد صاحبها على جدران التاريخ وفي أبواب الروح.
كيف تري مستقبل الشعر العربي في ظل التغيرات الأدبية الحالية ؟
الشعر العربي اليوم يعيش طفرة كبيرة ويعيش مخاضا حقيقيا ربما سيولّد بعثة جديدة وسيفتح أفقا أرحب؛ وذلك لما أصبحنا نراه من اهتمام كبير بالشعر العربي سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات، لكن يجب أن نحذر من الاجترار ومن التماهي مع الآخر كي لا نفقد هويتنا ونضيع في ركام التاريخ والحضارة.
ما نصيحتك للشباب الذين يمتلكون موهبة الشعر ويرغبون في تطويرها ؟
ربما قد أكون أحوج إلى النصيحة منهم، ولكن أنا أقول لنفسي دائما يجب أن تبحثي عن نفسك في هذا الشعر لابد أن أترك بصمتي فيه حتى كأنه أنا حينما يقرأ أو يسمع وأوصي نفسي دائما بأن لا تتوقف عن الطموح والحلم وأن لا ترهن نفسها بشيء كيفما كان
بشكر حضرتك جداً وعلي وقتك الثمين ونتمني لك مزيد من التقدم والنجاح وننتظر منك عملًا خاص بك قريباً وستكون المجله دائما في دعم حضرتك
بقلم/ سارة مشعل
الشاعر عثمان الهيشو شاعر له قدرة كبيرة على ترسيخ هوية شعرية خاصة به.
ردحذفبالتوفيق والنجاح الدائمين.