غلاء ومغالاة

 غلاء ومغالاة

غلاء ومغالاة

كتب: معتز متولي

غلاء في الأسعار ومغالاة في حياتنا اليومية

أصبح غلاء الأسعار وحشا يلتئم كل ما حولنا يهابه الجميع، صار حديث الناس في حياتهم اليومية فهم في سباق مستمر مع غلاء الأسعار الذي يتزايد باستمرار دون توقف، فلم يعد الغلاء يقتصر على السلع والخدمات فحسب بل طال كل شيء، لن يتبقى سوى الهواء الذي نتنفسه، حيث قضى الغلاء على الفئة ذات الدخل المحدود مما يزيد من الأمر صعوبة وبالتالي تزداد معاناة الجميع.

تتعدد الأسباب حول تلك المعاناة التي يعيشها الجميع دون استثناء فغلاء الأسعار يرجع أولا إلى بعدنا عن الله، وإلى التأثر بالعوامل المناخية والبيئية، ومشكلتنا في ترتيب الأولويات والضمير، وفي ضعف الاعتقاد بأهمية العلم وفي علمائنا والاقتصاديين والمفكرين الحقيقيين الذين يتركون مجتمعاتنا ونراهم في بلاد الآخرين حيث الإمكانات وتقدير تلك العقول، كما نعاني من الاحتكار والمغالاة في الغلاء، في توزيع الدخل القومي بشكل غير عادل مما يجعل الأقلية المحتكرة تستغل الجزء الأكبر من هذا الدخل ويعاني جزء الأغلبية من الفقر والغلاء؛

لدينا مشكلة أيضا في التحلي بالقناعة عند الاختيار بين الأشياء، والتوسع في الشراء لدى البعض وجعله هواية مع عدم مراعاة الأولويات في الإنفاق، كل ذلك بجانب العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما أظهرت الدراسات والبحوث، فحسب ما ورد عن معهد "إيفو" الاقتصادي الألماني أنه من الأسباب الرئيسية للأسعار المتزايدة ارتفاع قيمة التكاليف في شراء الطاقة والمواد الخام وغيرها من المنتجات الأولية والسلع التجارية، فالجميع يتفق أنه لم يعد أحدا في أيامنا لم يتذوق غلاء الأسعار.

أما عن المغالاة فنواجه مغالاة في حياتنا اليومية غير تلك المغالاة في الأسعار ولكن بنفس المعنى وهو أننا نغالي في شيء ونعطيه أكثر من قيمته الحقيقية "فلا تغالي في غال" نرى في تلك الأيام ظاهرة عجيبة وزيادة مفرطة في استخدامنا للألقاب الشخصية، المؤرخ الكبير، العالم الجليل، معالي الباشا والبيه، معالي الوزير، معالي السفير وغيرها من الألقاب لمجرد أن هذا كتب كتابا أو حدثنا في علم، ونعلم جيدا أن الباشا والبيه أو بك ألقاب انتهت منذ زمن وغير مفيده كغيرها من الألقاب التي نمنحها للأشخاص بمجرد أنهم يعملون بمؤسسة أو هيئة، فلا أدري استخدامنا للألقاب ثقافة في مجتمعنا تعودنا عليها أم منها ما هو دخيل على ثقافتنا وهويتنا، أم أننا نستخدمها كما يقول البعض من باب الوجاهة والاحترام؛

فالسؤال أين التقدير والاحترام في ألقاب وشهادات في غير نصابها أو محلها؟

وهنا يتفق الكثير أنه نتج عن هذه المبالغه ظهور العديد من المؤسسات وأكاديميات بمسميات مختلفة تمنح الألقاب بشهادات أشبه بالمزيفة ولا قيمة لها، فأصبحت الألقاب نوعا من أنواع مظاهر التفاخر فى مجتمع للأسف لايعترف إلا بالمظاهر.

نجد في تلك الأيام تضخيما للمواقف فأتفه الأفعال والأقوال يصنع منها أكبر الأحداث لتسير حديث الصباح والمساء واهتمام الناس لفترات، وتهليل وتهويل في الحزن والفرح يصل لدرجة المكايد والكذب على النفس وعلى الآخرون فالحزن والفرح الشديد يعود إلى الشخصيات الفردية والتركيبة النفسية لكل إنسان أكثر مما يعود إلى التربية وعادات وتقاليد المجتمع.

صار الانتماء بأنواعه المختلفة سياسية ورياضية واجتماعية وغيرها ظاهرة فرضت نفسها على الإنسان لكنه انتماء أعمى تعدى الحدود، فنرى مزايدة ومغالاة في الحب والتشجيع للمكان وكأن الأمر بات واجبا مما أدى إلى أزمات وكوارث مجتمعية يصعب حلها، نذكر مثلا التعصب للأندية الكروية والاقتتال والغيرة على المناصب والكراسي في السياسية والنقابات والهيئات، ليس من الضرورة أن يكون الانتماء سلبيا، فالانتماء الإيجابي إلى شيء لازمه الإنسان شيء طبيعي وجيد.

أقرأ أيضًا حوار صحفي مع الكاتبة نورهان كمال

إرسال تعليق

أحدث أقدم