"وردة"
مذكراتي العزيزة، وددت أن أخبركِ أيامي الحلوة منها والتعيسة، بلغتُ من العمر ما بلغت، ورأيت في هذه الدنيا ما رأيت، ولكن هذا اليوم مهم لي وأريد أن أخبركِ به.
في هذا اليوم لقد ذهبت إلى الجامعة كالمعتاد، ولكن ما حدث جديد في هذا اليوم هو أنه عقدت لجنة فنية وثقافية، ويريدون معرفة المواهب، ولكني لم أشارك، وجدت هدى صديقتي تنادي من بعيد
هدى: يا وردة يا وردة
وردة: اذا هناك يا هدى؟ لِمَ تناديني هكذا؟
هدى: علمت أنكِ لم تقدمي اشتراك في المسابقة؛ لعرض موهبتك
وردة: عن أى موهبة تتحدثين؟ فأنا ليس لدي مواهب
هدى: لا، فأنتِ تلقين شعرًا جميلًا، إلى جانب تلك الخواطر الرائعة، فاشتركت لكِ فيها
وردة: لِمَ فعلتِ هذا يا هدى؟ ألا تعلمين أنني ليست لدى الشجاعة؛ لأقف أمام أحد!
هدى: هيا بنا الآن، ونوفر الحديث؛ لأن دورك الآن
ووقفت أمام اللجنة المكونة من أربعة أشخاص:
الدكتورة سماح، والدكتورة مروة، والدكتور عادل وشهاب
فأنا أعرفهم، وكنت أتردد عليهم بين الحين والآخر
الدكتورة سماح: تقدمي يا وردة، وألقي ما ستلقين
الدكتور عادل: أعرفك جيدًا يا وردة، ويعجبني ما تكتبين من خواطر وأبيات شعر
نظرت متجهمة لهدى؛ لأني لم أكن مستعدة،
ولكنها قالت بصوت هامس: ألقي تلك الأبيات الرومانسية، التي قولتيها لنا
،وقلت في نفسي: لم أكن أريد أن أشترك، ولم أستعد، فإن خسرت فلن أخسر شيء ولكن تكفيني المحاولة.
وقلت:
كتفك في كتفي علشان الحيطان مالت عليا
ضهرك في ضهري ديمًا ساندني وميَل عليا
وقت ما تضعف وتعصف بيك الدنيا، ارمي همومك عليا
حماك وسندك وهفضل كذلك يا نور عنيا
إياك تبينلهم ضعفك هيستغلوه!
أنا هنا كتفك وضهرك اسند عليا
لحبيبي وضلي في الدنيا ديا
ولم أكن سأتوقف، حتى سمعت من يقول تصفيق حار، وإلا لن نتوقف عن سماعك
وكان قائلها الدكتور شهاب
وانطلق التصفيق حتى شعرت بالخجل
يا مذكراتي العزيزة، كوني مستعدة لِما سأرويه لكِ فيما بعد.
فخرجنا وقالت هدى: أرأيتِ يا غبية؟ كنتِ ستضيعين فرصة ذهبية! نظرتِ لِمَ حدث وما قيل عليكِ؟
وردة: لا يا هدى لا أريد الاشتراك
هدى: ماذا تقولين؟ يا لكِ من غبية حمقاء! تأتيكِ الفرصة وتريدين فقدانها!
وجاء اليوم التالي، وكانوا سيعلنون أسماء المشاركين في المسابقة في شتى المجالات؛ ليمثلوا اسم الجامعة.
وبالفعل، قد أتت لي صديقاتي يهنئؤنني؛ لأن اسمي قد تم اختياره من ضمن الذين أختارتهم اللجنة، وجلسنا جميعنا في نادي الأدب الخاص بنا شبابًا وشابات، ولكن رأيته من ضمن المختارين،
أجل هو، لم أصدق عيناي، إنه سعد، هذا الشاب الوسيم الذي لم أجلس معه أبدًا، ولكن سمعت عنه أنه خلوق ومحبوب جدًا؛ لطيبته، وكانوا يطلقون عليه فاكهة الجلسة؛ لكثرة مزاحه وجماله في الجلسات، فكرت مليًا في الانسحاب، حتى لا أكون أمامه وأخسر، فأسقط من نظره، إذا كان يراني من الأساس، وإما أن أكمل، فإن خسرت فيكفيني أنه قد رآني من ضمن المختارين، وكان يلقي علينا القصيدة التي شارك بها وقال:
حَبيتِك ...آه حَبيتِك
هَقول ليه حبيتك إزاي
وأنتِ تتحَبِي لِكُل ما فيكِ
مش هَلاقِي زَيكِ ما أنتِ
خَدتِي قَلبِي ليكِ
ضِليِ وقت الضُهرِيةَ
وبِترطَبي على قَلبيِ بِلَمسَة من إيديكِ
بَتُوه لما أشوفِك
ولو كُنتِ مَعاَيا بَسكَر في عِنيكِ
جَماَل خُدُود الجَميلَة بِلوُن شَجَر الخَريِف في خُدُودِك
والابتِسَامة اللي بِتظهِر بياض لؤُلوُ مَكنُونِك
جَوهَرة مِن جوة واَشِيلِك جوة مِني وأخَبي رُوحِك
جَماَل الروح ظَهَر على حَلاوتِك وخِدُودِك
قَالوا أحب مين وإزاي دي للجَمَال عِنواَن وأنا تَايِه بوجودك
تَعَالي ليا وقُولي مُش هَكُون لِغيرَك وأنا اكُون مَجنُونِك
ما العِشق اللي في عِنَيَا لو يِتحَكي مش هَيتوصف في شِعرِي ولا بِيُوتِك
جَمال نقي في قلب إنسان أصبح بوجودك
سَألوَنِي لو حد قَرَب مِنِك قُولت إني مَجنُونِك
يِقَرِب بس مِنِك وأنا أرحَمه بِمُوته الوَاشِك
سَألوني عن العُمر قولت يارب يُومي مع يُومِك
حتى بعد المُوت مش هَسيبِك لحظَة تِحَسسني بِلُومِك
ولكن سمعت صوتًا يقول: لِمَ تجلسين صامتة؟ شاركينا الحديث.
كان سعد، فانقبض قلبي لأنى لم أكن أتوقع أن يهمه أمري، ويجعلنى أتحدث أو أصمت.
فقلت له: لا هكذا طبيعتي، لا أتحدث كثيرًا
هدى: أجل يا سعد، إنها قليلة الكلام
سعد: وعد عليَ سأجعلك تتحدثين ولا تصمتين من الآن
كانت أسعد أيامي، وكانت أفضل اللحظات عندما تحدث إلي وقال وعده،
جاء يوم الثلاثاء، ذلك اليوم الذي يسبق يوم المسابقة، وذلك اليوم أيضًا، الذي قررت فيه الانسحاب بعد تفكير طويل، حتى لا أجد نفسي مهزومة
الأربعاء...
لم أذهب حتى للمسابقة، ولكنى رغبت برؤيته أكان من الفائزين أم من الخاسرين.
هدى: لِمَ لم تأتِ يا وردة؟ وكيف تنسحبين من المسابقة؟ وأنتِ تعلمين أنك ستفوزين؟
وردة: لا يا هدى، لا أعلم أكنت سأفوز أم لا، ولكني لم أرغب في رؤيته لى خاسرة.
هدى: من هو ذاك الشخص الذي تتحدثين عنه؟
وردة: سعد
هدى: ولِمَ تقولين هذا؟ أتحبينه يا وردة؟
وردة: لا أعلم، ولكني أشعر بأشياء غريبة تجاهه هو فقط، لم أشعرها من قبل،
ودار الحديث بيننا عن سعد والمسابقة، وعلمت أن هدى تتحدث معه وأنه قد أخبرها ببعض مشاكله، فغضبت
لِمَ يتحدث معها؟ لِمَ لا يتحدث معي أنا؟!
يوم الخميس
هذا اليوم كنت أنا وهدى نتحدث، وثم قالت: هيا بنا لنذهب لنأكل في إحدى المطاعم
ونحن جالستان، وإذا بها تقول: قد فاز في المسابقة
قلت: من؟
فأجابت: إنه سعد
فرحت فرحًا شديدًا له، وأخبرتها بأن تتصل به وتخبره بفوزه وتهنئه؛ لأني أستحي أن أكلمه وليس بيننا الكثير من الحديث
هدى: ألف مبروك يا سعد
سعد: الله يبارك فيكِ يا هدى، ولكن لماذا؟
هدى: ألا تعلم أنك قد فزت بالمسابقة؟ الخبر نزل حالًا
سعد: لا لم أكن أعلم؛ لذلك ستعزمونني على حسابي
هدى: أنا موجودة أنا ووردة بالفعل في المطعم، فلن يفيد هذا
سعد: لا والله يجب أن أعزمكم، أنتظروني أنا قادم
وجاء سعد بالفعل إلينا في المطعم
ومرت أيام عدة، وقد كنت أرسل رسالة متخفَية لسعد، أهنئه وأخبره بحقيقة شعوري اتجاهه، دون أن يعلم أنها أنا،
وبعد مرور أكثر من أسبوع، كنت جالسة أنا وهدى وشباب النادي الثقافي ومنهم سعد، ونحن جالسون نتحدث، فإذا بسعد يقول لهدى أن هناك رسالة غريبة قد وصلت إليه متخفية، ويريد أن يعلم صاحبتها، ولكن لماذا كان ينظر إليَ؟ هل عَلِم أني صاحبة الرسالة أم ماذا؟
لِمَ أنا مرتبكة هكذا؟ لا أريده أن يعلم
هدى: لِمَ تشغل بالك؟ فمن يريد الحديث معك فليتحدث
سعد: لست قلق، إنما أنا أعلم من أرسلها
هدى اللعينة، هل أخبرته أني صاحبة الرسالة، فهي تعلم؛ لأني لم أخفي عنها شيء، وأخبرتها ما يجول بخاطري، يا لكِ من لعينة يا صديقتي، فضحتي أمري هدى: ومن الذي قد أرسلها لك إذًا؟ ألم تقل أنك تعلم من الذي أرسلها؟
سعد: أليست هي أنتِ يا هدى؟!
هدى: هههه لا والله
سعد: إذا من؟
وقد ازدت غضبًا، فكيف له أن يكون أحمق هكذا! ليظن أنها هدى، ولكن شعرت ببعض الرضا لأنه لم يعرفني،
وبعد مرور الوقت، ذهبنا للمنزل، وأخذت بضرب هدى إن كانت هي التي أخبرته، أو تحدثت معه، وجلسنا نتحدث بعدها وكثر الصراخ بيننا، ولكن كان ما بين الضحك والمزاح وبين الغضب مني قليلًا
كنا نتحدث هل أخبره بالحقيقة أم لا؟ ولكن كان جواب هدى لي وواحدة أخرى من صديقاتي ألا أفعل هذا
وقالت نسمة: لا يا وردة، إنه شخص غير مناسب، لكن هو شخص ليس كما تتوقعينه، فهو غير صالح بتاتًا، وله علاقات مع الفتيات
هدى: لا يا نسمة هو ليس كذلك، ولكني أتفق معكِ فى ألا أخبره، وتتركه أفضل؛ لأنه لا يحبك يا وردة، وإذا كان كذلك فليخبرك بذلك أولا
مريم هي ابنة عمتي، عزيزة على قلبي، ولكنها ذهبت لكلية أخرى بعيدًا عن تلك المحافظة التي نحن بها، وعيد ميلادها قد أقترب، أريد أن أذهب لها ومعي هدية لها، ولكن ماذا أفعل هل أذهب بمفردي؟ لا أعلم لِمَ لا أسأل سعد؟ فهو ذكي وحكيم في اتخاذ القرارات،
وأشرقت الشمس، وشعرت بأن اليوم سيكون رائع، لا أعلم لماذا؟ هل لأني سأتحدث مع سعد على انفراد؟
تابعيني يا مذكراتي، فأنا لم أنتهي يا عزيزتي بعد، بل سأحكي عن الكثير مما حدث
وردة: السلام عليكم
سعد: وعليكم السلام، أجل يا وردة
وردة: هل لي أن أقابلك يا سعد؟
سعد: بالطبع لِمَ لا، ولكن انتظريني قليلًا حتى آتي
وردة: حسنًا سأنتظرك في حديقة الجامعة
سعد: حسنًا قادم إليك
بعد قليل
ولم تمر بضع دقائق حتى وجدته قادم، بطلته الجذابة وشعره المتطاير، وقميصه المفتوح الذي يبرز عضلات صدره،
جلس أمامي وقال: والآن ماذا حدث يا وردة
فرتبكت قليلًا، وصمت برهة، تحدثت وأنا أنظر في عينيه
وردة: كنت أريد أن أخبرك أني سأذهب لأفاجئ بنت عمتي؛ لأن عيد ميلادها قد أقترب، وهيا عزيزة علي جدًا
سعد: وماذا بعد؟ أكملي
وردة: أريد أخذ رأيك هل أذهب؟
سعد: وأين تقيم بنت عمتك هذه؟
وردة: هي ليست في نفس المحافظة، بل سأستقل القطار لأذهب لها وحدي
سعد: كيف ذلك؟ لا بالطبع لست موافق
قالها في غضب وهو يقول، أنا أغير على أصدقائي، وأقلق عليهم، كيف أتركك تذهبين بمفردك؟
وردة: لا تقلق، فأنا قد اعتدت على ذلك
سعد: لا لن تذهبي، فهذا قبل أن تعرفيني، لكن بعد معرفتكِ لي أقول لكِ لن تذهبي، وإذا أردتِ الذهاب فعليكِ بأخذ أحد من أصدقائك على الأقل، وإن لم تجدى فسأذهب معكِ أنا،
وإلا فلا، لتأتي هي لكِ ويمكنك مفاجأتها.
أعجبتُ بخوفه عليَ، وقلقه على سلامتي وغيرته، وكيف يأتي بالحلول والأسباب التي تمنعني؟
فلم أجد مفر، وقلت: حسنًا لن أذهب، ولم ألبث من الوقت إلا القليل حتى قلت:
له: سعد أريد إعلامك بشيء آخر
قال: ما هو ذلك الشيء ؟
وردة: أنا أحبك يا سعد
سعد: ماذا؟!
وردة: أجل يا سعد أحبك من أول لقاء لنا
سعد: هل تريدين إجابة لكلامك الآن؟
وردة: لا، لا أريد، فأنا أعلم أنك لا تحبني
سعد: لِمَ تقولين هذا؟ بل أحبك يا أختي، ولكن لم أعجب بفتاة ولم أحبها، ولا أريد ذلك، فأنا فارغ من داخلي، رغم ضحكي ومزاحي،
وكنت أعلم بحبك من البداية لي وأعلم أنك من أرسلتِ الرسالة الخفية، فكنت ألاحظ تعابير وجهك وارتباكك، عندما ذكرت الرسالة أمامك أنتِ وهدى
هبطت دموعي على وجنتي، ولم أرده أن يرانى أبكي، فتركته وذهبت مسرعة بخطى غير منتظمة، وجلستُ أقول لنفسي:
إنكِ قبيحة، لا تتوقعي منه أن يعجب بكِ، فحياتك كلها بائسة، ولا مكان للفرحة بها، فكيف إن كان سعد بها؟ فستكون فرحة لن تستوعبها حياتك، فتقتلك على ما اقترفته في حقها
لِمَ لم أنصت لكلام هدى ونسمة؟ لماذا؟ لماذا؟؟؟
وازدادت دموعي في الانهمار أكثر
ألم أخبرك أني سأروي لكِ الكثير؟ فلا تتعجلي يا مذكراتي العزيزة، لم أنتهِ بعد
ذهب سعد وهو يفكر كيف لي أن أكسر قلبها؟ مثل ذاك القلب يجب أن يفرح فقط، ولا يحزن قط، كيف لي أجعلها تحزن وتبكي؟ يا لي من أحمق، فلن أجد مثلها إطلاقًا في رقتها وحيائها، وطيبة قلبها ولا في جمالها،
يجب أن أخبرها لماذا رفضت حبها يجب، يجب أن أخبرها بأشياء كثيرة فإن وافقت فسأرعاها جيدًا، وأضعها في قلبي، وإن رفضت، فلها ولم أظلمها في شيء.
ذهبت باكيةً، وجلست لأنام، فلم أجد للنوم سبيلًا، وإذ بهاتفي يرن وكان المتصل سعد
سعد: يا وردة من الممكن أن تقابليني الآن من فضلك
وردة: لا أريد النزول ولا التحدث مع أحد
سعد: أنا لست بأحد يا وردة، وأريد التحدث قليلًا معك
وردة: لا يا سعد من فضلك، لا أريد التحدث الآن
سعد: من الضرورى رؤيتكِ الآن
وردة: حسنًا سآتي
وذهبت له، وجدته جالسًا ينتظرني، فجلست أمامه
وأخذ يتحدث عن كونه أكبر إخوته، ولن يستطيع الزواج الآن حتى يشيد منزلًا له ولأسرته، فهل سأنتظره كل هذه السنين؟ وحتى يتخرج من الجيش؟
وما كان ردي إلا بالإيجاب، وأن من يحب بصدق سينتظر طيلة العمر حتى يجمع الله بنا في حلاله
وأخذ باختلاق الأعذار، وأنه يعاني من مشاكل نفسية وجسدية كثيرة، وأنه شديد وسريع الغضب، فهل سأتحمل كل هذا؟
وكان ردي أيضًا بالإيجاب، فأنا أحبه بصدق والله يعلم بهذا، وأنني سأتحمل لأجله أي شيء.
و كان رده أنه قال: إذا فالآن أستطيع أن أقول أحبك يا وردة، فلن أجد من يتحمل وينتظرني كل هذا ويحبني بصدق، ويكون جميلًا رقيقًا، طيب القلب مثلك؛
لأنه ليس كل ما يلمع ذهب، فقد يكون ماس،
ولم نكتفِ بهذا يا عزيزتي، فقد حدّث بالفعل، وتزوجت من فاكهة الجلسة، وعشت معه أجمل أيام عمري، فهو بحق نعم الزوج، وقد رزقنا الله بطفلين رابيل وأويس، وقد صدقنا وعده أني سأتحدث كثيرًا ولن أصمت، إلى جانب وعده أن كل يوم سيأتي علينا مع بعضنا، سيكون أجمل من ذي قبل.
أحبه كثيرًا
" النهاية "
سيد أحمد""
من كتاب: بوينو إسديث