"الحظ"
كان هناك صديقين، أحدهما الحظ، والآخر المنطق، وكانا فى إحدى الليالي تائهين في الصحراء، وسارا حتى يجدا طريق وشجرة على جانبه، فإذا بالحظ يقول:
هيا نقف في منتصف الطريق لإيجاد سيارة وإيقافها والركوب بها.
رد المنطق وقال:
إننا على الطريق السريع، فلن تقف سيارة لنا إطلاقًا، بل سنطرح أرضًا إن صدمتنا إحدى تلك السيارات.
قال الحظ:
سأنام أنا في منتصف الطريق.
وقال المنطق:
سأجلس أنا بجانب تلك الشجرة حتى يصبح الصباح.
فتأتي إحدى السيارات وترى الحظ نائم في منتصف الطريق، فتنحرف عن المسار وتصدم المنطق بجانب الشجرة
لو تمعّنا في تلك الكلمات السابقة، سنعرف أن المنطق قد مات، أي أصبح لا وجود له في هذا الزمان، وأن الحظ هو ما نعيش به حتى الآن، وإلا كنا من السابقين.
عادل: هيا يا محمود لنذهب للورشة.
محمود: لا لن أذهب، سأخرج لأتمشى، فلا أريد العمل اليوم.
عادل: كيف هذا؟ وستترك العمل لمن؟
محمود: لا يشغل بالي هذا، فأنا متعب الآن ولا أريد العمل اليوم.
عادل: وأسرتك؟ من أين ستأتي لهم بالمال وقوت يومك يا محمود؟
محمود: أعيش كما تعلم بالمال اليسير الذى أقبضه لأمي، فذلك المعاش يكفينا، ولكني أطمح في المزيد، فلا تقلق علينا.
عادل: كما تحب يا صديقي، سأذهب أنا الآن؛ لأن السيارات تقف أمام الورشة تنتظر من يصلحها، فلن تصلح من تلقاء نفسها للأسف.
وذهب عادل للعمل، وأخذ يعمل حتى أنجز ما أستطاع عليه في هذا اليوم، وقابل محمود فقال له
عادل: ماذا فعلت يا محمود اليوم؟ لِمَ لَمْ تأتِ لتعمل؟ فكيف ستعيش يا صديقي وتفتح بيتك وتأكل أنت وأسرتك؟
محمود: لا يا عادل، لا أريد مثل هذا التعب الشاق، فأنا أعلم أنها ستلعب معي في إحدى الأيام وسأكون من الأغنياء.
عادل: كيف يا صديقي وأنت لا تعمل؟ ليس من المنطق أن تجلس وتصبح من الأغنياء!
ولكن محمود لم يكترث لكلام عادل وذهب، ليأتي يومًا آخر ويذهب عادل للعمل والتعب، ومحمود لا يفعل شيء، ويظن أن المال سيأتي من تلقاء نفسه.
وتتوالى الأيام، وفي أحد تلك الأيام أتى زبون إلى الورشة، فذهب عادل للورشة، فقد جاءه أحد الزبائن في استعجال؛ لإصلاح سيارته، وكانت من السيارات الكبيرة التي تُستخدَم في نقل الأشياء التي تسمى "نصف نقل"، وكان عادل معروفًا بمهارته في تلك الصنعة.
الزبون: هل تستطيع إنجاز تلك السيارة خلال هذا اليوم؟
عادل: بالتأكيد يا سيدي، اتركها لي بضع ساعات، وستجدها جديدة إن شاء الله.
الزبون: حسنًا إذاً كم يتكلف إصلاحها؟
عادل: لا تشغل بالك سيدي فلن تكلف الكثير.
الزبون: قل فقط كم ستتكلف في إصلاحها؟
عادل: ستكلف ما يقرب الثلاث مائة جنيهًا فقط لا تقلق.
الزبون: جميل جدًا، سأعطيك ألف جنيهًا على إصلاحها في أسرع وقت.
عادل: لا يا سيدي سأصلحها في أسرع وقت، ولا أريد منك شيئًا أكثر من تكلفة عملي، فأنت رجل تعمل طوال اليوم بالتأكيد وتكدح، فلن آخذ منك شيء.
الزبون: شكرًا لك يا عادل، أنا اسمي الشيخ عبد الحيكم، وسأجعل كل أصدقائي يأتون لك من كل مكان، وهذا وعد مني؛ لكرمك معي.
عادل: شكرًا لك يا شيخ، فهذا عملي ولا أريد أكثر من حلال مالي لا أكثر، حتى يبارك الله فيه.
وبعد مرور أقل من ثلاث ساعات ونصف جاء الشيخ عبد الحكيم إلى عادل، فوجد السيارة قد أصلحها في وقت قياسي جدًا، فحك لحيته التي تصل إلى صدره، وشعرها الأبيض المتناثر،
ووضع يده في جلبابه وأخرج ما يقارب الخمس مائة جنيهًا وأعطاها لعادل وقال: له خذ تكلفة الإصلاح والباقي مني لك، فلا ترجع يدي مرة أخرى.
عادل: حسنًا يا شيخ عبد الحكيم، لن أكسف يدك هذه المرة.
الشيخ عبد الحكيم: لا يا عادل لا تقل هذا، فأنت تستحق أكثر من هذا، نظير ما فعلت في السيارة في هذا الوقت القصير جدًا.
فأخبر الشيخ أصدقاءه كما وعد عادل، وجاءت إليه تلك المرة بالخير الوفير والمال الكثير، فكانت تأتيه في اليوم الواحد الكثير من السيارات ومعها الكثير من الرزق والمال.
ومرت الأيام، وجاء مرة أخرى له وقال له: أريدك أن تثبت لي هذه الحوامل في أسفل السيارة لا أكثر يا عادل.
عادل: لِمَ يا شيخ تريد فعل هذا؟ فالسيارة تبدو جيدة لا شيء بها؟
الشيخ عبد الحكيم: لا، ولكن لأضع بها إستبن آخر للعجلات، فأنت تعلم أن تلك العجلات تتلف ونحن بمنتصف طريقنا، فأريد جعل إستبن آخر من الأسفل للاحتياط.
عادل: كما تريد حاضر.
وجاء فى اليوم التالي بكثير من السيارات؛ ليفعل بها نفس الأمر، فلم يمانع عادل، فهذا شيء سهل عليه، ويأتي له بالخير والمال.
وفي إحدى الليالي، جلس عادل أمام التلفاز ليرى الأخبار، ويرى الحوادث الإرهابية وتفجير السيارات، وتلك التي تكون محملة بالأسلحة والمتفجرات وغيرها، فيحزن كثيرًا على حال البلد وما أصابها من خراب.
وأصبح الصباح في اليوم التالي، واستعد للذهاب للعمل، ولكن كان هناك من ينتظره خارج باب المنزل، فعندما فتح الباب إذ بأحد يمسكه ويطرحه أرضًا، ويجعل يديه مغلغلة بالحديد، وإذ بهم الشرطة قد أمسكت بعادل وهو لا يعلم لماذا.
بينما محمود كان لا يفعل شيء طيلة هذه الأيام، سوى الجلوس على المقاهي والطرقات، وينتظر ذلك المال الذي سيأتيه من الهواء.
محمود: سأخرج اليوم لأتمشى، وأذهب للبنك وآخذ معاش أمي حتى نستطيع الأكل في تلك الأيام العصيبة، وفي تلك الظروف التي تمر بها البلاد.
زوجته: لا تتأخر إذًا، وأحضر لنا طعامًا وبعض الفاكهة لتأكلها الأطفال.
محمود: سأحضر ما تريدين، ولكن علي الذهاب أولًا فعليكِ تركي لأذهب.
زوجته: سأتركك في حال وعدتني أنك سترجع للعمل مرة أخرى يا محمود، فلا يعجبني جلوسك هكذا.
محمود: اتركيني لأذهب حتى لا أضربكِ مثل الأطفال، ألا تأكلين وتشربين؟ فلماذا تشتكي إذًا؟
وذهب غاضبًا مسرعًا لضعف موقفه، وأخذ بالحديث مع نفسه: سيأتيني المال بالتأكيد، ولكن ليس بتلك الطريقة، لا يجب أن أتعب من أجل القليل من المال، وأخذ بالحديث مع نفسه حتى كاد يصل للبنك.
ولكن فجأة إذ بانفجار كبير بجانب البنك؛ ليدمر المنطقة المحيطة به كلها ويدمر البنك، والقتلى هنا وهناك، والأوراق المالية تتطاير من هنا وهناك، ولكن سرعان ما أفاق محمود من الانفجار الكبير ويريد الهروب من الانفجار ومن الإرهابيين المسلحين، ولكن قد زاغ بصره على المال المتطاير فأسرع بأخذ ما استطاع من المال والذهاب مسرعًا.
عادل: ماذا فعلت؟ فأنا لا أعلم ماذا فعلت حقًا؟
الضابط حامد: لا تعلم!؟ أجل لا تعلم يا إرهابي يا مجرم، يا لك من حقير حقًا وتقول أيضًا أنك لا تعلم!
لا تعلم أنك من الإرهابيين والتكفيريين!؟ يا لك من وضيع!
عادل: يا باشا حقًا لم أفعل شيئًا، ماذا أنا بفاعل؟ أنا مجرد سمكري سيارات فقير لم أفعل شيئًا في حياتي يزيد من الفزع مطلقًا.
حامد: أخرس يا كافر! فلا كلام لك معي، وسأحرص حصولك على إعدام، ورغم أني أريد أن أعدمك رميًا بالرصاص بيدي هذه.
عادل: أخبرنى بٍمَ فعلت حتى؟
حامد: ألست أنت من تصلح سيارات الإرهابيين؟ ولست أنت من تجعلهم يأتون بتلك السيارات المسروقة المفخخة؛ لتفجير الأماكن؟ ولست انت من كنت تثبت الحامل أسفل السيارة؛ لوضع المتفجرات والأسلحة؟ فتلك الحوامل كانت مثبتة جيدًا، وما كان ينقصها فقط تلك القنبلة التي وضعوها بعد مغادرتهم إياك، يا خائن للوطن وأهلك
تلك السيارات التي كنت تصلحها على مدار أسبوعين متتاليين كانت سيارات إرهابية تكفيرية، فجرت الكثير والكثير، وقتلوا بها الكثير والكثير، فقد اعترف عليك أحدهم.
عادل: أيها الظابط، أنا لم أتحرى من السيارات هي الأخرى، أكانت مسروقة أم لا، ولن أتحرى وأبحث عن أصحاب السيارات التي تأتيني من أجل الإصلاح، فلستُ شرطيًا، فعملي كله أن أصلح السيارات لا أكثر، وليس لي ذنب أن أصحابها قتلة ومجرمين.
وقد صدر الحكم على عادل بالإعدام وهو لم يذنب بشيء، ولم يستمعوا له حتى، ولا إلى شهادته ولا حديثه.
أما محمود فقد عاد للمنزل بذلك المال الذي سرقه من البنك عند تفجيره.
وقام بشراء الورشة وجعل بها من يعمل لحسابه، فكان يجلس بالمنزل ويعمل السمكري في الورشة ويأتي بالمال في آخر اليوم لمحمود.
تمت.
من كتاب بوينو إسديث.
نقلها "سيد أحمد"
إقرأ أيضا العائلة كنز لا يدركه البعض