حفل
تستيقظ مبكرًا على غير عادتها، يدفعها الحماس ويحتوشها النشاط، ترتقب بلهفة يومًا مميزًا، تعد المدرسة حفلًا موسيقيًا كبيرًا، في ذاك الموعد من كل عام، ولكنها اليوم ستشارك بأغنيتها الأثيرة، تتوق نفسها لحضوره هربًا من الرتابة، تتنفس الصعداء من ثقل أعبائها، جافى النوم عينيها طوال الليل، تتحير في انتقاء زيًا ملائمًا، يشغلها التفكير في أدق التفاصيل.
يستقظ والديها على إيقاع صوتها الندى، تلقي نفسها في أحضانهما، طالما كانت حلمهما الذي حرصا عليه، يضطرم القلق في قلوبهما، تحيطها نظراتهما الحانية.
تردد كلمات الأغنية؛ لعرضها أمام الجميع، لا يفارق عقلها اللحن الموسيقي الذي طالما أسر قلبها، تقف خلف النافذة تشدو بألحانها، تراقبها الطيور وتتمايل طربًا، تهتز الأشجار المحيطة، تعم الموسيقى جميع الأرجاء.
بسعادة غامرة ترتدي ثوبًا موشيًا بالزينة اللامعة، تودع والديها راجية حضورهما، تتلقى منهما الوعود والدعوات، تطلق ساقيها للريح، تغمرها البهجة المشوبة بالاضطراب ، تحاوطها الفراشات في سرور.
تقطع طريقها وهي مفعمة بالأمل، تصل كلمح البصر إلى شريط السكة الحديد الملاصق للمدرسة، تمر عليه كنسمة عبير دافئة، ينذر الضوء الأحمر بالخطر، لم تهِدّأ سرعتها، تلاحقها الأحلام الوردية، يتعالى صوت القطار كالرعد الهادر، يحتضنها؛ فتحلق روحها إلى السماء، تسيل دماؤها تغطي الأرض، تعانقها الطيور المغردة، تعزف لها ألحان أغنيتها في حفل ملائكي بديع لم يشاهدْه أحدٌ.
"محمد كامل"