"المجتمع في الحضارة الفرعونية القديمة"
كتب أ. معتز متولي.
قال الله تعالى: {ربي لا تذرني فردا} الأنبياء آية 39.
الفرد وحدة تمثل جماعة، وهو العنصر والركيزة الأساسية للمجتمعات، التي يجب عليها أن تستوفي شروط الفرد لضمان بقائها وازدهارها، ويتضح لنا عبر العصور تراث تاريخي للمجتمعات، وأشخاص شكَّلوا التاريخ وحقب زمنية، ما زال تاثيرها حاضر معنا إلى وقتنا الحالي، إن التاريخ كما نعلم تدوين وتسجيل للوقائع قديمًا وحديثًا، على أساس علمي قائم على الدراسة، فما تم تسجيله قديمًا سجل ودون في عصور تلك الأحداث، أو على الأقل قبل انتهاء تلك العصور، وتسجيل الأحداث في غير زمانها يعرض التاريخ للتزييف، وفي ذلك قال المؤرخ العظيم ابن خلدون: "التاريخ له وجهان: ظاهر وباطن، وظاهر التاريخ يخبر عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى، أما باطنه فالنظر والعلم بكيفية الوقائع، وأسباب حدوثها وبذلك يكون التاريخ عميقًا وعريقًا".
وهنا انتقد ابن خلدون المؤرخين؛ لسردهم الوقائع والأحداث دون التدقيق في أسباب حدوثها، واعتمادهم على النقل فقط، ولم يأخذوا طبيعة الأحوال في المجتمعات، وتحري الصدق فيها؛ لتسجيل الأدوار الحقيقة للمجتمعات عبر التاريخ.
وبالتأمل في حضارتنا، نجد تحديات عديدة واجهت الأفراد والمجتمعات عبر العصور منها؛ قدرة المجتمع في الحضارة الفرعونية القديمة على التكيف مع ظروف الزراعة في وادى النيل، حيث ساعد الري المتحكم إلى توفير الموارد، وإنتاج فائض من المحاصيل، أدى إلى التنمية والازدهار اجتماعيًا واقتصاديًا وعلميًا وثقافيًا، وأدى إلى زيادة السكان التي كانت عُرضة للزيادة والنقصان حسب ظروف البيئة، وقدرة المصريون القدماء أيضًا في الالتفاف حول ضفاف النيل عام 6000 ق.م، عملت على تسهيل اكتشافهم لطرق الكتابة والإبداع في الحروف والعلامات الهيروغليفية، وبناء الأهرامات والمعابد والمسلات الضخمة، التي عاشت لألاف السنين، فكان المصريون القدماء مولعون بضخامة الحجم في كثير من الأمور، فهم بناة المعرفة الأولى بإجماع المؤرخين وعلماء المصريات، حيث ازدهرت العمارة الهندسية في عصر الملكة حتشبسوت، التي حكمت مصر ما يقرب من عشرين عام، وشيدت العديد من المعابد في جميع أنحاء مصر، أبرزها حتى عصرنا هذا معبد حتشبسوت الجنائزي في دير البحري، وقبرها في وادى الملوك والمقصورة الحمراء، وأنشِئت الملكة حتشبسوت أسطول ضخم من السفن، استخدم في نقل حجارة المعابد.
تبع الدولة القديمة مجتمع الاضمحلال أو ما سُمي بعصر الاضمحلال الأول، شمل الأسرة من 7 _ 10 حوالى 2180 _ 2060 ق.م، فسادت الفوضى وعم الاضطراب، وانحدر الفن والثقافة والعلم، حتى قام الطيبيين المنتصرة بإعادة توحيد الدولة المصرية القديمة مرة أخرى، على يد الملك نب حتب رع منتوحتب من الأسرة الحادية عشرة.
ومن هنا لابد أن يكون المجتمع قادرًا على تسخير الإمكانيات الطبيعية، التي أعطاها إياه الله سبحانه وتعالى؛ لكي يستطع النمو والازدهار في شتى مجالات الحياة، وتحقيق حضارة عريقة وراسخة تتوارثها الأجيال، فمجتمعنا تاريخنا.
إقرأ أيضا حوار مع الكاتبة جهاد السبع