الأمان

 الأمان 

الأمان
إقرأ أيضا في رحلة مطولة

 "إن البيوت لا تبنى بالحجارةِ والرمال، بل بالمودةِ والمحبةِ تدومُ لأجيال"


هذه الكلمات أخبرتني بها جدتي حين سألتُها عن الزواج، وكيف ليّ أن أبني بيتًا؟!
وكيف يمكنني أن اختار شريكًا يضيء عتمتي؟!
حينها لمعت عيناها وتألقت كأنها حازت الدنيا وما فيها، وبدأت تسرد ليّ قصتها مع جدي الراحل، فقالت:
حين تقدم جدك لخطبتي كنتُ فتاة لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها، لا أعلم كيف يمكنني أن أدير بيتًا، وأراعى زوجًا ثم أولاد؟!
ولكنه حين وجدني متوجسةٌ من هذا الأمر قال ليّ:
سأكون لكِ سندًا، وسأرافقكِ في الليالي، لن ادع شيئًا يُصيبك، سأجعلكِ تُزهرين، وتملائين الأكوان من عبقكِ، وإذا شكوتِ مني مرةً عاقبيني بهجركِ، فوالله ما أحب القلب سواكِ، وما وجد السكن إلا جواركِ، معًا سنتجاوز كل شيء، معًا سنبني بيتًا من الحب لا الأحجار، معًا ستخشى المصاعب أن تأتي إلينا، لا أريد منكِ شيئًا سوى مرافقتي، وأن تضعي يدكِ في يدي لنمضي سويًا دون فزعٍ أو خوف".
هذه كانت كلماته ليّ، وفي حقيقة الأمر لم تكن مجرد كلمات بل كانت كبلسمٌ يوضع فوق الجروح فتلتئم، كيف له أن يحبني كل هذا الحب؟!
كيف له أن يجعلني أزهر كلما مرَّ طيفه؟!
وبالفعل قد قام بكل هذا وأكثر، لم أرى ما فعله جدك في روايات الحب، وقصص العشاق، ما فعله ليّ جعلني أزهر عمرًا لا بل أعمار، لذلك البيوت تبنى بالحب والمودة بينكم لا بشيء أخر، وإذا لم يحبك ستضيق عليكِ أركان بيتك، ولم يعد لكِ مكانًا في الكون تذهبين إليها، وجنتكِ ستصبح جحيمك، ولكن إن أحبكِ كنتِ بيته، وسَكنه، ونافذته التى يرى من خلالها العالم، وإذا أحببتِ رفيق دربكِ صار لكِ محرابًا من عالمٍ خرب، وأزهرتوا سويًا في عالم قد عم به الخراب، ودمرته الكراهية، ومن يرى بيتكم لن يرى سوى زهورًا قد تفتحت حوله حتى جَملته، لذلك يا فتاتي حين تختارين رفيقًا لكِ أختاري فقط من يجعلكِ تزهرين، وبجواره لا تَزبُلي يومًا، كم هي رائعة جدتي؟!
وكم كان الحب الذي رافقهم لأجيالٍ طوال جميلٌ، يجعلك تشعر أن الجنة يمكن أن توجد هنا أيضًا على الأرض.


كتبتها/ شيماء حسانين"رحيل"



إرسال تعليق

أحدث أقدم