الموت قتل طفولتي
إقرأ أيضا قصة عمير
لقد كنت في الخامسة من عمري، عندما رن الهاتف وقال أحدهم لقد مات أباك، لا أعلم معنى هذه الكلمة فهي صغيرة للغاية، كلمة مكونة من ثلاثة أحرف فهل لها معنى؟!
ذهبت مسرعًا إلي أمي لكي أُخبرها، لقد قالوا إن أبي مات لم أفهم وقتها لماذا تصرخ أمي وأخوتي، ولماذا بدأ البيت بالازدحام بالناس فيه، والجميع في حالة من الذعر والهول وأصوات النحيب تتعالى.
وفي الخارج، رجالٍ كُثر يتحدثون مع بعضهم، والبعض الآخر يتحدث في هاتفه يقولون الجنازة بعد صلاة العشاء، علينا أن نُسرع في مراسم الدفن، ماذا يقصدون بالجنازة ومن سيُدفن وأي مراسم عليهم تجهيزها؟!
تساءلت ولكن لم يُجيبني أحد، التف الرجال حولي وأخذني أخي الأكبر بين ذراعيه وقال لي: لقد ذهب أبي يا محمد، ذهب ولم يعد مرة أُخرى أنا أعلم أنك لن تفهمني الآن، ولكن مع الأيام سوف تفهم كلامي جيدًا، وانهال في البكاء.
تركتهُ وذهبتُ إلى أختي: يا مريم ماذا يقصد أخي بأن أبي لم يعد؟
هل هو سافر كعادته ولم يخبرني؟ لكي لا يأخذني معه! هذه المرة لم أعفو عنه لأنه وعدني بالأمس بأني سوف أسافر معه.
قالت أختي بصوت ضعيف يغلب عليه التعب والبكاء: لا يا محمد لم يسافر أبي، لكنه ذهب إلى مكان بعيد لا يستطيع العودة منه، ذهب إلى جوار ربه في السماء
_ حسنًا يا مريم فَلمَ تصرخون هكذا فأبي مازال موجود ويسمعنا؟
كيف ذلك؟! لقد قال لي أبي أن الله إذا أحب أحدًا أخذه بجواره إلى السماء، وقال أبي إن احتجت لشيء ولم أكن موجودًا حينها فانظر إلى السماء، فأنا موجود و سوف أسمعك.
فلم أهتم لكلام أخي وأختي وجميع الأصوات التي في البيت وذهبت خارج البيت لكي ألعب مع أصدقائي، وأثناء لعبي رأيتهم يحملون صندوق وداخله شيء ثقيل والجميع يبكي حينها وقع الخوف في داخلي، وذهبت فرأيت أبي من بداخل الصندوق، رأيته ووجهه مبتسم لكنه مكفن بالأبيض ولا يتحرك، أخذتُ أحركه يمينًا ويسارًا ولكن دون جدوى، فهو لا يجيبني، ولا يتحرك، فتذكرتُ حين رحلت جدتي ومنذ ذلك اليوم لم نراها، فصرتُ أصرخ وأبكي كمن فقد لُعبته، لا تتركني يا أبي مثل جدتي فأنا لم ألعب معك بعد الآن، ولم أعش تفاصيل طفولتي، فمن سيأخذني إلى الكُتاب كي أتعلم واحفظ كلام الله كما وعدتني؟ ومن سوف يُوصلني إلى مدرستي عندما أذهب وينتظر خروجي بلهفة لكي يحتضنني؟ لقد تركتني باكرًا يا أبي.
كتبتها/ سلسبيل عمران