أفراح زمان
كلما شاهدت أفراح اليوم حن قلبي وسرح خيالي في أفراح زمان وعادات وتقاليد زمان في الزواج والأفراح بالذات، تلك التي كانت تتميز بالبساطة في كل شيء، في المسكن والجهاز وأدوات المطبخ وحتى في زفة العريس خاصة أن شباب اليوم لا يعرف كمْ كانت جميلة ورائعة أفراح زمان، وسأحاول في هذه السطور أن ألملم بعضًا من ذكريات هذا الزمن الجميل التي قصها علي والدي وجدتي في الأفراح بالذات.
كتب: أحمد خضر
الخطوبة:
بمجرد أن تعلم البنت بأن فلانًا تقدم لخطبتها يملؤها الكسوف والخجل الممتزج بالفرحة أمام أهلها وأقربائها، وبمجرد أن يتم الاتفاق بين الأهل لا يستطيع الشاب أن يرى خطيبته أبدًا إلا نادرًا، وكانت أختي إذا آتى خطيبها لزيارتنا تقفز كأن ثعبانًا لدغها وتهرب داخل الحجرة خجلًا وكسوفًا من خطيبها، لدرجة أن أبي ضربها يومًا ما على هذا التصرف البايخ، ولكن هيهات هيهات لم يجدي نفعًا كل ذلك ولم يستطع خطيبها أن يختلي بها إلا بعد الزواج، هذا والله حدث في بيتنا وأنا شاهد عيان على ذلك مع أختي الصغرى، وأترك لكم المقارنة بين هذا الذي كان يحدث وما يحدث الآن في أيامنا هذه من خلوه محرمة تتم بين الخاطب والمخطوبة تحت مرأى ومسمع من الأهل لدرجة أنهم يغلقون عليهم الباب ويتركونهم معًا دون محرم.
الجهاز:
* الجهاز وما أدراك ما الجهاز، ماذا أقول وعن أي شيء أتحدث، فقد كان أهالينا الطيبون ينتظرون موسم الحصاد ليجهزوا الشاب أو الفتاة، حيث لا دخل ثابت لهم إلا مما سيحصلون عليه من أموال القطن على سبيل المثال، وكان جهاز العروسة بعض من الصحون، حلل، فخار وبعض الشماليل ووابور جاز، وأشياء لا تسمن ولا تغني من الجوع، بالإضافة إلى صندوق خشبي يعده العريس لتضع فيه العروسة ملابسها ودمتم والسلام، قارن يا سيدي بين جهاز العروسة اليوم الذي يكسر ظهر الأب في جهاز بنته حيث لا رحمه ولا شفقة ولا دين ولا خلق ويغرق الأب في الديون من أجل الفتاة التي تريد أن تأخذ كل شيء لمنزل زوجها، وتترك منزل والدها تعم في الفوضة ولا تهتم أن يكون مديونًا أم أنه جلب لها كل هذا عن طريق القسط.
منزل الزوجية:
يا سلام على منزل الزوجية، كان حجرة واحدة لكل ولد في منزل والده، يقولون هذه حجرة فلان وهذه حجرة فلان وبداخل هذه الحجرة يوجد {المحمد} وهو المكان المخصص للاستحمام ولا شيء غير ذلك، فبيت الزوجية لا هو شقة فاخرة ولا حمام بالسيراميك ولا شقه كم حجرة ولا غيره، هذا والله هو بيت الزوجية زمان أيام آبائنا وأجدادنا -رحمة الله- عليهم أجمعين، ولك أن تقارن يا سيدي بين هذا وبين ما يحدث في وقتنا الحاضر حيث يغالي الناس في تجهيز شقة العريس بطريقة مبالغ فيها لدرجة الاستفزاز حتى ولو بالديون لكي يقولون أما فلان قام بتجهيز شقة أبيه بطريقة مختلفة.
زفة العريس:
* الله الله الله على زفة العريس زمان، وعلى الجمال الذي كان فيها، حيث يجتمع الرجال ليحضروا العريس من المكان الذي هو معزوم فيه إلى بيته بيت الزوجية بالزفة البلدي ويتم إشعال الكلوبات لإنارة الطريق حيث لا كهرباء ولا إنارة موجودة في ذلك الزمان، وكان العريس تتم عزومته عند أحد أقاربه ويكون منزله بعيدًا بعض الشيء والزفة تكون من المكان الذي انعزم فيه العريس حتى بيت والده، وحتى أن كانت المسافة قصيرة لا تنتهي زفة العريس إلا بعد عدة ساعات من الليل، يغني الرجال أغاني الزفة فيقفون كثيرًا وهم يغنون الأغاني الجميلة وهم على هيئة دائرة كبيرة، ويمشون قليلًا حتى يطيلوا وقت الزفة، وكانت هذه الأغاني من الجمال والروعة التي لا توصف ولكن الوقت والمساحة هنا تضيق ولا تكفي لذكرها ويمكن أن نفرد لها مقال مستقل فيما بعد، إلى أن يصل العريس إلى منزله، حيث تنتظره هناك العروسة وسط فرحة غامرة من الأهل والأحباب، وبعدها ينصرف الرجال ويعود مل واحدٍ لمنزله، هذا ما كان يحدث في جيل آبائي وإخوتي وأولاد عمي الكبار، أما أنا فقد تم زفافي في {الكوشة}، وهي عبارة عن كنبة تركن إلي جدار حائط في الشارع وعليها عدد أثنين من الكراسي للعريس والعروسة وهذه الكوشه محاطه بجريد النخيل وبعض البلالين وفي الخلفيه ملاية سرير لتخفي ما في الحائط من تشققات وصدوع، وسط غناء وتصفيق المعازيم وزغاريط الأهل والأصدقاء، وقبل المغرب كنت بداخل شقتي.
الصباحية:
في أيامنا هذه يتم نقل عزال العروسة قبل الفرح بأسبوع أو عشرة أيام ليسهل على أهل العروسة فرش الشقة وترتيب كل شيء في مكانه، أما زمان، كانت منقولات العروسة لا تنقل إلى بيت الزوجية إلا بعد الفرح والزفاف، حيث تقف النساء على هيئة قطار طويل خلف بعضهم البعض وكل واحدة منهن تحمل شيء من عزال العروسة على رأسها، إحداهن تحمل الحلل والأخرى تحمل المطارح والشماليل وغيرها تحمل القلل وغيرها تحمل صفيحة الجاز والأخرى تحمل طشت الكعك، كل هذا بصحبة الأغاني الفلكلورية الجميلة والزغاريط الجميلة إلى أن يصلوا إلى بيت العروسة، حيث يتم وضع ما حملوه ويتناولون الإفطار الجميل الطازج الذي تم تجهيزه من الفجر خصيصًا للصباحية، وبعدها يعودون إلي بيوتهن تغمرهن السعادة والبهجة.
إقرأ أيضًا: الكاتبة شيماء الهادي أحمد