"وجهين لعملة واحدة"
دخلت للقاعة، وجدت هدوءً غريبًا، فالطلبة معتادة الثرثرة ولكن كان الجميع مصوب نظره على الفتاة القبيحة، ينظرون لها باشمئزاز واضح، ولكن ما آثار تعجبي وإعجابي في نفس الوقت نظرة الثقة الحزينة في أعين فتاتي القبيحة، نظرة شموخ جعلتها ذات هيبة ووقار لا يمتلكها كثيرات من بنات حواء.
وهذه المرة لم تكن صديقتها الجميلة بجانبها، بل بجانب هذا الشاب الذي رأيته من قبل في الحديقة، ولكن هذه المرة كانت نظرته لها عادية لا تعبر عن شيء، المرة السابقة لم يكن يريد حتى التحدث معها.
لم أنطق بكلمة واحدة لمدة تزيد عن خمسة عشر دقيقة، حتى ظن الطلاب أنني لم أتذكر موضوع المحاضرة المؤجل من المرة السابقة.
فبادر أحد الشباب بالاستئذان..
سمحت له بالتحدث
فنطق بثقة وسرعة كمن وجد خطأ على أستاذ له، وخصوصًا إن كانت فتاة، فهم يشعرون بفخر كاذب عندما يعدلون علينا أو حتى تذكيرنا بشيء كما سيفعل هو الآن.
_دكتورة موضوع المحاضرة أن نقرأ الوريقات التي كتبناها المرة السابقة على أن تقومي حضرتك باختيار لكل منا عشوائيًا ما سيتم قراءته..
أومأت برأسي ببطء و طلبت منه الجلوس.
ثم بدأت بالفعل بتوزيع الورق وبداخلي خوف من أن تكون الجميلة كشفت نفسها دون مساعدتي.
وبالفعل نفذت خطتي وطلبت من فتاتي القبيحة بأن تقرأ ما كُتب في الورقة التي بيدها، ولكن ما رأيته بعينيها من كسرة جعلني أتيقن أنها تعرفت على الخط ومن صاحبته، كأنها كانت تنتظر لها مبرر على ما فعلته التي لا أعرفه بعد.
ولكن تلك الورقة أكدت لها أنها ليست مظلومة، بل هي تخطط لكل ذلك منذ دخولهم الجامعة،
وبدأت..
الصداقة هي أن تمتلك شخص غبي يفعل لك ما تريد تحت مسمى الصديق.
أن تطلبه وقتما تشاء ولا يعترض والأهم أن يصدق كل اعتراضاتك.
الصداقة عندي ليست كاسمها تمامًا لا تعبر عن الصدق بل تعبر عن مصالحي.
لا يوجد صديق بل يوجد شخص نسميه صديق عندما تكون مصلحتنا معه.
وبدأت بالبكاء وطلبت مني ألا تستمر بالقراءة.
فسمحت لها بالجلوس ولكن تحولت نظرة الجميع لها لنظرة عطف.
عيون الجميع يضعونها بمقارنة الآن بين وضعها قبل القراءة وبعده.
ثم أكملت خطتي ولم أتنازل، و طلبت من الفتاة الجميلة بأن تقرأ ما هو مكتوب بالورقة التي بيدها.
أيضا تغيرت نظرة الحقد التي بعينيها لنظرة حائرة فيبدو أنها عرفت صاحبة الخط أيضا.
في تلك اللحظة وصلت بعض الرسائل على تلفوني المحمول، وعندما فتحتها صُدمت لم أعد أستطيع النطق كانت صور لفتاتي القبيحة المحجبة الملتزمة وهي بشعرها وملابسها المنزلية مع شاب أعرفه جيدا هو يكبرها بعدة أعوام أجل أتذكره جيدا هذا كان زميل دراسة لي بالجامعة.
لا حظ الجميع تغير وجهي، ولكني أحاول أن أفهم ما هذا؟
لا يبدو عليه فوتوشوب أبدا.
فهمت الآن نظرات الجميع لها فهؤلاء الشباب يستطعن تمييز تلك الصور بدقة أكثر مني.
ولكن نظرة فتاتي القبيحة لي الآن تؤكد لي أنها مظلومة، وما يحاول أن يثبته ناشر تلك الصور كذب.
تركت هاتفي و أنا غاضبة و التفت لصوت التلفون الذي يرن، وجدته هاتف فتاتي القبيحة.
استأذنت مني بأن تخرج حتى تجيب المكالمة.
رفضت طلبها وطلبت منها الجلوس حتى نستمع لزميلتها مثلما استمعنا لها.
فبادرت الفتاة الجميلة بالكلام وقالت
" وجهين لعملة واحدة "
ولكنها صمتت ولم تنطق أي شيء بعد ذلك.
طلبت منها إكمال القراءة ولكنها أخبرتني أن هذا فقط ما كُتب في الورقة.
تعجبت كثيرا من هذه الكلمات البسيطة وعندما هممت بتوضيح الأمر، سمعت الباب يطرق.
فسمحت للطارق بالدخول كان زميلي في الجامعة والشخص الذي ظهرت صوره مع فتاتي القبيحة.
اعتذر عن مقاطعتي و طلب مني الحديث مع فتاتي القبيحة، بحكم عملي سألته سؤالي التقليدي.
من أنت؟ و لما تريدها؟
نظر لي نظرة خبيثة كأنه بريد إخباري أنك تعرفينني فلما تلك الكلمات.
لكنه جاوبني بسهولة أنا أكون أخاها أما لما أريدها هذا شيء يخصنا فقط، هل تسمحين لي أم أخرج حتى تنتهي من تلك المحاضرة.
ابتسمت ابتسامتي البلهاء التي لم يعرفها أحد من طلابي بعد، فرحتي بنظرة الطلاب لها و تأكدهم من أن أحدهم أراد الوشاية بها، فتلك صور طبيعية لفتاة مع أخيها بمنزلهم.
ولكن السؤال الأهم في عيون الجميع الآن وهم ينظرون لي من فعل ذلك بها؟!
نظرت تلقائيا لمن لا تصدق أن صديقتها ترى علاقتهم وجهان لعملة واحدة لا يمكنهم الافتراق بل يكملان بعضهم البعض، لا تكون العملة مصرح بها إلا بوجهيها المختلفان.
هي مقتنعة أنهما مختلفتان كالملك والكتابة ولكنها أيضا لديها يقين بأن الصداقة ليست باختلافهم بل بكمالهما معا.
فجأة وقف هذا الشاب من جانب الفتاة الجميلة وجاء إلى مكان وقوفي لشرح المحاضرات و طلب مني السماح له بقول بعض الكلمات.
سمحت لفتاتي القبيحة بالخروج مع أخيها.
وفي نفس الوقت سمحت لهذا الشاب بالتحدث مثلما أراد.
طلب الشاب من الجميع أن يمسح أي صور وصلت له هي فتاة طبيعية مع أخاها ليس ذنبها أن هناك ذئاب في هذا العالم يستغلون براءة من حولهم في تشويه سمعتهم.
وحذرهم أن من يمتنع عن المسح ببساطة سأعود كما كنت و أمسح الصور بنفسي من على هاتف كل منكم وأنا في منزلي.
بدأ الجميع بمسح الصور.
وانتهت قصتي بفوز أخلاق فتاتي القبيحة بالرغم ما تعرضت له.
وهزيمة الفتاة الجميلة بأن كل ما بداخلها ظهر على حقيقته للجميع.
وفي النهاية لا تنسوا أن دائما الحقيقة تظهر مهما طال الزمن، و أن الظالم سيذوق من أفعاله مهما اختبئ.
المظلوم من يترك أموره لله وحده يأتِ حقه دون السعي حتى له.
كتبتها/ ولاء مصطفى
إقرأ أيضا شيء بداخلي